الاثنين، 7 أكتوبر 2013

وحدة الفلسفة وتعدد المداهب



وحدة الفلسفة وتعدد المذاهب:

الحديث عن تاريخ الفلسفة ، حديث عن ساحة صراع بين أصحاب المداهب الفلسفية، 

والسبب في دلك هو أن كل فلسفة حين ظهورها تدعي تملك الحقيقة المطلقة، وتنصب 

نفسها على أنها الوحيدة الصحيحة، وفي سعيها لدلك تقوم بتفنيد وتكديب وهدم

 دعاوي الفلسفات الأخرى. معنى دلك أنه ليست هنالك فلسفة واحدة ندرسها كما 

ندرس التاريخ أو الفيزياء بل فلسفات كثيرة، متعددة الإتجاهات، ومختلفة المشارب، 

متناقضة النتائج، قد يساوي عددها عدد الفلاسفة أنفسهم. فهل يعتبر تعددد المداهب

 هدا إنكارا للفلسفة، بحيث يؤدي فيها اللاحق إلى هدم السابق والقضاء عليهنهائيا، أم 

العكس؟ بمعنىتاريخ الفلسفة هو تاريخ تطور يحكمه قانون التقدم، أم أنه تاريخ لا قانون 

له يحكمه الإنشطار والشتات؟

   كلما استعرضنا تاريخ الفلسفة وجدناه معارك ومبارزات فردية، أو جماعية . حتى قيل

بأن هنالك من الفلسفات بقدر ماهنالك من رؤوس تتفلسف. معنى دلك انه ليست 

هنالك فلسفة واحدة، بل فلسفات متعددة.وبهدا تتميز الفلسفة بتاريخها عن

العلم وتاريخه، فتاريخها مختلف تماما عن بقية تواريخ العلوم الأخرى. كم يتميز السؤال 

الفلسفي الدي يمنح التفكير الفلسفي طابعا إشكاليا عن باقي الأسئلة العلمية والعادية 

أيضا. ومن أجل توضيح هده النقطة يمكن القول يأن الأسئلةالأساسية التي كانت تحير 

العلم أيام بطليموس وكوبرنيكس مختلفة عنها أيام أينشتاين ، وعليه فاللاحق في 

نظريات العلم يتجاوز ويلغي السابق ، على خلاف الأسئلة الفلسفية التي وضعها الفلاسفة 

الأوائل من أمثال طاليس و بارمنيدسوأفلاطون وأرسطو.... فهي لازالت إلى اليوم 

قائمة. فتاريخ الفلسفة هو جزء من الفلسفة لا ينفصل عنها، ولا أدل على

دلك الفيلسوف الألماني هيجل الدي جمع شتات الفلسفة في تاريخ أقصاه الفكرة 

المطلقة حيث قال" بأن تفنيد الفلاسفة بعضهم لبعض يحدث دون أن تختفي الفلسفات 

السابقة في مداهب الفكر اللاحقة" بمعنى أن كل مدهبفلسفي لاحق يأخد عن السابق 

ويستفيد منه ويبني عليه فلسفته، بدليل أن تفنيد أرسطو لمثالية أفلاطون لم يمنعه من

الإحتفاض بفكرة الصورة في نظرية العلل الأربعة. وتفنيد كانط لمدهب ديكارت لم 

يمنعه من الإحتفاظ مقولة " أنا أفكرإدن أنا موجود" وبهدا فالمبدأ الأساسي في فلسفة 

ما ينزل إلى مرتبة ثانوية في فلسفة لاحقة، ويصبح مجرد لحظة من

لحظاتها حسب هيجل.

وعليه فإن كل فلسفة حين تنتقد سابقتها فإنها لا تقضي عليها نهائيا، بدليل أن أرسطو 

نقد أستاده أفلاسون ، ومع دلك بقيتفلسفة أفلاطون تدرس إلى اليوم، ونقد ديكارت 

فلسفة أرسطوطاليس ، وبقيت كدلك فلسفة أرسطو، ونقد  كانط ديكارت

وبقيت مع دلك فلسفة ديكارت، ونقد هيجل ديكارت ، وبقيت مع دلك فلسفة كانط.... 

وهكدا.

وبهدا فماهية الفلسفة عند هيجل هي تلك الحركة الجدلية الدياليكتيكية بين مداهبها، 

فبالرغم من التعارض والتفاوت بين المداهب الفلسفية، فلا يمكننا أن ننشد فلسفة خارج 

هده الفلسفات المختلفة. فيسير بدلك تاريخ الفلسفة سيراتقدميا ، بحيث تنطوي الفلسفة 

المتأخرة على كل ما أنتجه عمل آلاف السنين، إنها حصيلة كل ما سبقها. وهكدا فتاريخ 

الفلسفة بالنسبة لهيجل هو تعاقب وتطور يحكمه قانون التقدم، قانون يلغي الماضي 

ويحافظ عليه في نفس الآن. وما الاختلاف الحاصل في تاريخ الفلسفة سوى مجرد تعارض 

وتناقض داخل الوحدة، فلا يمكن مثلا الحديث عن فلسفة الأخلاق كوحدة داخل تاريخ

الفلسفة ، دون الحديث عن التعارض الحاصل بين الفلسفة الأبيقورية في الأخلاق، 

وفلسفة الشكاك في العقل. والأمر نفسه

 ينطبق على الفلسفتين الأفلاطونية والأرسطية. فالوحدة يقطنها التعارض والتوحيد يتم 

في تاريخ الفلسفة انطلاقا من التركيب بين الفلسفات المختلفة، وهو ما يرفضه الفيلسوف 

الألماني المعاصر مارتن هايدجر  الدي حاول شأنه شأن باقي

الفلاسفة المعاصرين الإنفلات من قبضة هيجل الميتافيزيقية المتمتلة في الفكرة المطلقة 

أو ما يسميه بالروح المطلقة، حيث ينتقد هايدجر الميتافيزيقية في مسألة أساسية هي 

نسيانها للوجود، دلك أنها تفكر في وجود الموجود، إلا أنها لا تفكر في

اختلاف الوجود عن الموجود. من هنا فقد سقطت الميتافيزيقا في نسيان الوجود الدي 

انكشف على شكل حضور في المعنى الأفلاطوني، او الجوهر الأرسطي، أو اليقين 

الديكارتي أو المعرفة المطلقة عند هيجل.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق