ما طبيعة وجود الغير
يحيل الغير من حيث دلالته على كونه موضوع ماثل أمامي، لكنه أساسا دات واعية
لها وجودها المستقل في نفس الوقت، فما طبيعة وجود الغير؟ هل هو مجرد موضوع ، أم أنه ذات فقط، أم هو ذات وموضوع في نفس الوقت؟ وإلى أي حد يصح القول بأن الغير ليس بذات ولا موضوع بل هو تعبير عن عالم ممكن؟
لاشولييه سارتر
الغبر موضوع الغير ذات فقط
نجد لدى النزعة الموضوعية، كما هي الغير، حسب سارتر، ليس مجرد موضوع
ماثلة في العلوم الإنسانية وفي امتدادتها أو شئ من الأشياء، بل هو ذات وأنا آخر، ولا يوجد إلا
الفلسفية عند لاشولييه، مثلا؛ تصورا بهذه الصفة، إنه الأنا الذي ليس أنا، إن الغير نظام من
تشيئيا للغير يجعله مجرد موضوع التمثلات بعيد عن المتناول بوصفه موضوعا. إنه مشاعر
للتجربة. إن الغير كما هو الشأن وأفكار وإرادات وطابع .يقول سارتر الغير ليس فقط من
بالنسبة للشخص جزء من العالم، وهو أشاهد، بل هو من يشاهدني.
دلك الموضوع الدي يتحدث عنه عالم
البيولوجيا، وتلك السلسلة من العمليات التي
تحللها كتب البيولوجيا، وتلك السلسلة من
العمليات التي تحللها كتب الفيزيولوجيا،
ودلك الزكام من الأعضاء الذي تصفه
لوحات علم التشريح .
I- معرفة الغير.
إذا كانت المعرفة هي تلك الفعالية الفكرية التي يدرك من خلالها الفكر موضوعا ما، أي كل ما يتجه إليه النشاط الفكري للذات العارفة، سواء كان فكرة أو شيئا من أشياء العالم الخارجي، مجردا أو ملموسا... فإن موضوع المعرفة يتقابل مع الذات لأن الموضوع شيئا ماديا ملموسا. في حين أن الذات تعني ذاك الأنا الذي يتميز بالوعي، و يتمتع بالإرادة و المسؤولية الأخلاقية و القانونية، و كذلك القصدية و التلقائية. و هذا ما يغيب في الموضوع بوصفه شيئا ماديا.
إشكال المحور: فهل الغير قابل للمعرفة بهذا المعنى؟ ألا يمكن للغير أن يتبدى لمعرفتي كذات؟ هل معرفة الغير ممكنة أم مستحيلة؟ هل معرفة الغير تقوم على التشابه و المماثلة أم على الاختلاف و التباين؟
1)أطروحة جون بول سارتر.
يذهب سارتر إلى القول باستحالة معرفة الغير. مادام هناك انفصال أو هوة، و مسافة عدم بين الأنا و الغير لا يمكن تجاوزها. و المقصود بذلك أنه لا يمكن النفاذ إلى حقيقة الآخر إلا عندما نعتبره موضوعا. و إخضاع الغير للمعرفة أو لنشاط "الأنا أفكر" يترتب عنه سلب الغير مقومات الأنا. و بالتالي تشييء ذات الغير وسلبه وعية و حريته، و قتل تلقائيته و عفويته (مثال النظرة). فحضور الغير نفي و استلاب للذات. و معرفة الأنا للآخر تظل معرفة خارجية، سطحية و ذاتية، لا تتناسب مع موضوعها أي مع الغير باعتباره أنا آخر. و هذا يِؤدي بنا إلى استنتاج مفاذه أن معرفة الغير غير ممكنة.
2)أطروحة غاستون بيرجي.
يعتبر غاستون بيرجي أن معرفة الغير مستحيلة. لأن تجربة الأنا الذاتية معزولة في العالم و غير قابلة للإدراك من طرف الغير. فبين الأنا و الغير جدار سميك، رغم علاقات التعاطفو المشاركة. و لايمكن لأي منهما تجاوزه، باعتبار العالم الداخلي لكل واحد منهما مغلق. و في هذا نجده يقول:"هكذا هو الإنسان، سجين في آلامه، و منعزل في لذاته، و وحيد في موته، محكوم عليه بأن لا يشبع أبدا رغبته في التواصل، و التي لن يتخلى عنها أبدا"
3)أطروحة نيكولا ماليبرنش.
يؤكد ماليبرانش على صعوبة معرفة الغير. و ذلك لأن معرفة الأنا لذاته معرفة حدسية مباشرة و يقينية. في حين معرفة الغير تتم عن طريق الاستدلال بالمماثلة. أي مماثلة الغير بالذات و الحكم عليه من خلال تجربة الذات. و هي معرفة غير يقينية لا تتعدى حدود التخمين و الظن، و إطلاق فرضيات. لأن أفكار الناس و عواطفهم مختلفة. و بذلك ماليبرانش قد جعل من الذات هيئة مستقلة مكتفية بذاتها. بمعنى أن معرفة الذات تتم خارج العلاقة مع الغير و العكس صحيح (مفهوم الذات عند ديكارت).
4)أطروحة إدموند هوسرل.
يمكن الخروج من هذا التصور المغرق في الذاتية، و الذي يعتبر معرفة الغير مستحيلة. من خلال بناء معرفة بالغير تقوم على العقل التواصلي، الإنساني و العملي بدل العقل المعرفي. و في هذا الصدد نجد هوسرل يعتبر إدراك الآخرين إدراك لذوات نفسية طبيعية، لها جسم مثل جسمي و نفس مثل نفسي، و لكن تجربتها تختلف عن تجربتي. و لا ينكشف معنى تجربة الغير لذاتي على نحو مباشر، و لكن بإمكاني الوصول إلى حقيقة ذلك المعنى بواسطة تجربة التوحد الحدسي بالغير. و هو ما يعرف "بالتوافق الباطني" حيث يصبح هو أنا و أنا هو، أي تأخذ الأنا مكانة الغير في العالم. و أبني معه عالم وعي مشترك. إن هاته التجربة يسميها هوسرل بتجربة "النحن" أو "البينذاتية" و هي بمثابة علاقة تفاعل بين ذاتين باعتبارهما وعيين يوجدان داخل مجال إدراكي مشترك و متساو، يجعل كل ذات غيرا بالنسبة للآخر
5)أطروحة موريس ميرلوبنتي.
يعتبر ميرلوبنتي أن العلاقة التشييئية للغير هي نتيجة النظر إليه من موقع "الأنا أفكر" أو "العقل". أي النشاط الذي يقوم على التجريد و التقسيم، و الحساب و الاستدلال. و يمكن تجاوز هذه النظرة عندما يدخل كل من الأنا و الغير في علاقة الاعتراف المتبادل بفردية كل واحد منهما و وعيه و حريته و إرادته. لأن العلاقة مع الغير لا يحكمها الصراع و المواجهة بل التعايش و التفهم. و يرى ميرلوبنتي أن الحوار المتبادل يكشف عن طبيعة الكائن الإنساني، و يزيل عوائق التواصل مع الغير، و يحقق ضربا من المعية الوجودية، و التعاطف و المشاركة الوجدانية بين الأنا و الغير، و بالتالي التعرف على حقيقته. إن التواصل هو انفتاح نحو الغير، هو إزالة الكلفة و الغرابة عنه، و بذلك لا يبقى غريبا منطويا على ذاته و لا متعاليا عن كل معرفة.
5)استخلاص.
بناء على ما سبق، يمكن التأكيد على أن معرفة الغير تحمل في طياتها مفارقة و إحراجا: فمعرفة الغير تتطلب اعتباره مجرد "موضوع" أي معرفة تشييئية للذات، و هذا يصطدم بمسألة الحرية الإنسانية، مما يحول دون معرفة الغير كذات. و تواجه هذه المعرفة أيضا صعوبات بوصفها مبنية فقط على التعاطف الوجداني مع الغير. لكن في جميع الحالات تظل معرفة الغير نسبية. إلا أنها لا تختزل فقط في العلاقة المعرفية بل تتجاوزها إلى علاقات أعقد: عاطفية، أخلاقية، اقتصادية، سياسية... تتسم بطابعي التنوع و الاختلاف تبعا لتنوع أوجه الغير.
يؤكد أرسطو على العلاقة الايجابية و المتمثلة في الصداقة ، التي ينبغي أن تجمع الأنا بالغير . إنها تلك التي ينبغي أن تقوم على الفضيلة كقيمة أخلاقية منزهة عن المنفعة أو المتعة
يرى كوجيف أن العلاقة بين ألانا و الغير هي علاقة صراع، مادام أن العالم لا يقوم فقط على وجود بشري متساوي القيمة بل على وجود متفاضل فيه السيد و فيه العبد، إنها نزعة تحرك البشر جميعا لنزع الاعتراف و الوصول إلى مرحلة الوعي بالذات و التي لا يتوصل إليها إلا بالصراع مع الغير ، والذي لا تكون نهايته إلا بانهزام احد الطرفين المتصارعين ، ليخلق عالم فيه السيد و فيه العبد ، فيه القوي وفيه الضعيف ، فيه وجود يتمتع بالاستقلال الذاتي و وجود يرزح تحت الهزيمة و الخضوع .
تحدد كريستيفا الغريب في مفهومين أساسين؛ أحدهما ذلك الذي يفيد الافتقار إلى حق المواطنة. وهذه دلالة حقوقية تحاول بها الجماعة أن تمنع انحشار الغير الغريب في شؤونها الداخلية. وهذا في اعتقادها تعريف سطحي للغريب، لأنه هو تلك القوة الخفية التي تسكننا جميعا والتي تعبر عن التناقضات والاختلافات الداخلية التي غالبا ما يتم السكوت عنها، لأن هذا الغريب " يجعل ال"نحن" إشكاليا وربما مستحيلا " إن الغريب إذن يوجد فينا " إن الغريب يسكننا على نحو غريب, فالغرابة لا توجد فقط على مستوى العلاقة مع الغير البعيد المخالف لنا عرقيا و ثقافيا و دينيا...بل هناك غربة تعيش فينا, إنها غربة داخلية جوا نية تتمثل في بنيتنا النفسية اللاشعورية, وما يوجد من اختلافات و تناقضات داخلية و تمزقات في الذات الفردية والجماعية...
يرى فرويد أن العلاقة بين ألانا و الغير هي علاقة صراع دائم ، فكل خبرات الحياة والتاريخ تبيِّن أن الإنسان أناني عدواني بطبع ، فالعدوان حَكَم حياة الإنسان كجماعة في العصور البدائية حين لم يكد يكون للملْكية الخاصة وجود، والعدوان يحكم حياته كفرد وهو لا يزال في المهد وحتى قبل أن يكون مفهوم الملكية بمعناها الشرجي قد تكوَّن لديه، وحينما طَلَب أينشـتاين من فرويد خطاباً يدعـو فيه إلى السـلام رد الأخير عليه قائلاً إن الحـرب أمـر طبيـعي تماماً، إذ أنها ترتكز على أساس بيولوجي مكين « فثمة غريزة للكراهية والتدمير تلتقي في منتصف الطريق مع تجار الحرب »
المحور الثاني: معرفة الغير
I- معرفة الغير.
إذا كانت المعرفة هي تلك الفعالية الفكرية التي يدرك من خلالها الفكر موضوعا ما، أي كل ما يتجه إليه النشاط الفكري للذات العارفة، سواء كان فكرة أو شيئا من أشياء العالم الخارجي، مجردا أو ملموسا... فإن موضوع المعرفة يتقابل مع الذات لأن الموضوع شيئا ماديا ملموسا. في حين أن الذات تعني ذاك الأنا الذي يتميز بالوعي، و يتمتع بالإرادة و المسؤولية الأخلاقية و القانونية، و كذلك القصدية و التلقائية. و هذا ما يغيب في الموضوع بوصفه شيئا ماديا.
إشكال المحور: فهل الغير قابل للمعرفة بهذا المعنى؟ ألا يمكن للغير أن يتبدى لمعرفتي كذات؟ هل معرفة الغير ممكنة أم مستحيلة؟ هل معرفة الغير تقوم على التشابه و المماثلة أم على الاختلاف و التباين؟
1)أطروحة جون بول سارتر.
يذهب سارتر إلى القول باستحالة معرفة الغير. مادام هناك انفصال أو هوة، و مسافة عدم بين الأنا و الغير لا يمكن تجاوزها. و المقصود بذلك أنه لا يمكن النفاذ إلى حقيقة الآخر إلا عندما نعتبره موضوعا. و إخضاع الغير للمعرفة أو لنشاط "الأنا أفكر" يترتب عنه سلب الغير مقومات الأنا. و بالتالي تشييء ذات الغير وسلبه وعية و حريته، و قتل تلقائيته و عفويته (مثال النظرة). فحضور الغير نفي و استلاب للذات. و معرفة الأنا للآخر تظل معرفة خارجية، سطحية و ذاتية، لا تتناسب مع موضوعها أي مع الغير باعتباره أنا آخر. و هذا يِؤدي بنا إلى استنتاج مفاذه أن معرفة الغير غير ممكنة.
2)أطروحة غاستون بيرجي.
يعتبر غاستون بيرجي أن معرفة الغير مستحيلة. لأن تجربة الأنا الذاتية معزولة في العالم و غير قابلة للإدراك من طرف الغير. فبين الأنا و الغير جدار سميك، رغم علاقات التعاطفو المشاركة. و لايمكن لأي منهما تجاوزه، باعتبار العالم الداخلي لكل واحد منهما مغلق. و في هذا نجده يقول:"هكذا هو الإنسان، سجين في آلامه، و منعزل في لذاته، و وحيد في موته، محكوم عليه بأن لا يشبع أبدا رغبته في التواصل، و التي لن يتخلى عنها أبدا"
3)أطروحة نيكولا ماليبرنش.
يؤكد ماليبرانش على صعوبة معرفة الغير. و ذلك لأن معرفة الأنا لذاته معرفة حدسية مباشرة و يقينية. في حين معرفة الغير تتم عن طريق الاستدلال بالمماثلة. أي مماثلة الغير بالذات و الحكم عليه من خلال تجربة الذات. و هي معرفة غير يقينية لا تتعدى حدود التخمين و الظن، و إطلاق فرضيات. لأن أفكار الناس و عواطفهم مختلفة. و بذلك ماليبرانش قد جعل من الذات هيئة مستقلة مكتفية بذاتها. بمعنى أن معرفة الذات تتم خارج العلاقة مع الغير و العكس صحيح (مفهوم الذات عند ديكارت).
4)أطروحة إدموند هوسرل.
يمكن الخروج من هذا التصور المغرق في الذاتية، و الذي يعتبر معرفة الغير مستحيلة. من خلال بناء معرفة بالغير تقوم على العقل التواصلي، الإنساني و العملي بدل العقل المعرفي. و في هذا الصدد نجد هوسرل يعتبر إدراك الآخرين إدراك لذوات نفسية طبيعية، لها جسم مثل جسمي و نفس مثل نفسي، و لكن تجربتها تختلف عن تجربتي. و لا ينكشف معنى تجربة الغير لذاتي على نحو مباشر، و لكن بإمكاني الوصول إلى حقيقة ذلك المعنى بواسطة تجربة التوحد الحدسي بالغير. و هو ما يعرف "بالتوافق الباطني" حيث يصبح هو أنا و أنا هو، أي تأخذ الأنا مكانة الغير في العالم. و أبني معه عالم وعي مشترك. إن هاته التجربة يسميها هوسرل بتجربة "النحن" أو "البينذاتية" و هي بمثابة علاقة تفاعل بين ذاتين باعتبارهما وعيين يوجدان داخل مجال إدراكي مشترك و متساو، يجعل كل ذات غيرا بالنسبة للآخر
5)أطروحة موريس ميرلوبنتي.
يعتبر ميرلوبنتي أن العلاقة التشييئية للغير هي نتيجة النظر إليه من موقع "الأنا أفكر" أو "العقل". أي النشاط الذي يقوم على التجريد و التقسيم، و الحساب و الاستدلال. و يمكن تجاوز هذه النظرة عندما يدخل كل من الأنا و الغير في علاقة الاعتراف المتبادل بفردية كل واحد منهما و وعيه و حريته و إرادته. لأن العلاقة مع الغير لا يحكمها الصراع و المواجهة بل التعايش و التفهم. و يرى ميرلوبنتي أن الحوار المتبادل يكشف عن طبيعة الكائن الإنساني، و يزيل عوائق التواصل مع الغير، و يحقق ضربا من المعية الوجودية، و التعاطف و المشاركة الوجدانية بين الأنا و الغير، و بالتالي التعرف على حقيقته. إن التواصل هو انفتاح نحو الغير، هو إزالة الكلفة و الغرابة عنه، و بذلك لا يبقى غريبا منطويا على ذاته و لا متعاليا عن كل معرفة.
5)استخلاص.
بناء على ما سبق، يمكن التأكيد على أن معرفة الغير تحمل في طياتها مفارقة و إحراجا: فمعرفة الغير تتطلب اعتباره مجرد "موضوع" أي معرفة تشييئية للذات، و هذا يصطدم بمسألة الحرية الإنسانية، مما يحول دون معرفة الغير كذات. و تواجه هذه المعرفة أيضا صعوبات بوصفها مبنية فقط على التعاطف الوجداني مع الغير. لكن في جميع الحالات تظل معرفة الغير نسبية. إلا أنها لا تختزل فقط في العلاقة المعرفية بل تتجاوزها إلى علاقات أعقد: عاطفية، أخلاقية، اقتصادية، سياسية... تتسم بطابعي التنوع و الاختلاف تبعا لتنوع أوجه الغير.
إشكالية المحور : هل العلاقة مع الغير هي علاقة تكامل أم علاقة تنافر ؟
أطروحة أرسطو ) Aristote384 – 322 ق م(:
يؤكد أرسطو على العلاقة الايجابية و المتمثلة في الصداقة ، التي ينبغي أن تجمع الأنا بالغير . إنها تلك التي ينبغي أن تقوم على الفضيلة كقيمة أخلاقية منزهة عن المنفعة أو المتعة
إن الصداقة هي حاجة ضرورية حسب أرسطو لا يمكن الاستغناء عنها تحت أي ظرف، لأنهم الملاذ و الملجأ في حالة الشدة و الضنك.
يمكن طرح السؤال معه . ما الموقف الفطري الذي نتتخده إزاء الغير ؟ هل الإساءة حقا أم غير دلك
يجيب روسو . الإنسان ينفر من فعل الشر بطبيعته ،و عندما يرى معاناة الغير يحس بالشفقة إزاءهم و يدافع روسو عن موقفه حيث يعتبر أن الشفقة هي التي تدفعنا إلى انقاد أولئك الدين هم في مأساة أو فاجعة، إننا لا نقف أمامهم مكتوفي الأيدي بل نهب لنجدتهم بغض النظر عن أي اعتبار.
إن هذه الشفقة هي التي عوضت القوانين في حالة الطبيعة، و هي التي لم يكن احد يخرج عنها لأنها صوت الخير
إنها هي التي توحي إلى كل إنسان أن يتبع قاعدة. انه خير بطبيعته، و التي تقول " ابحث عن خيرك دون أن تؤذي الغير ما أمكن "
يرى كوجيف أن العلاقة بين ألانا و الغير هي علاقة صراع، مادام أن العالم لا يقوم فقط على وجود بشري متساوي القيمة بل على وجود متفاضل فيه السيد و فيه العبد، إنها نزعة تحرك البشر جميعا لنزع الاعتراف و الوصول إلى مرحلة الوعي بالذات و التي لا يتوصل إليها إلا بالصراع مع الغير ، والذي لا تكون نهايته إلا بانهزام احد الطرفين المتصارعين ، ليخلق عالم فيه السيد و فيه العبد ، فيه القوي وفيه الضعيف ، فيه وجود يتمتع بالاستقلال الذاتي و وجود يرزح تحت الهزيمة و الخضوع .
انه عالم الصراع الأبدي الذي لا ينتهي ، والذي يفسر كل أشكال الحروب و الرغبة في السيطرة ،و البحث عن إخضاع البشر ، إنه التفسير الهيجلي للتاريخ الذي استوحاه كوجيف و أعاد صياغته ، لكن يبقى السؤال ألا يمكن أن تطمع الإنسانية في عالم من السلام و الحب و التعايش المشترك ؟ أم انه قدر غلى البشر أن يعيشوا حالة الحرب إلى ما لا نهاية ؟
تحدد كريستيفا الغريب في مفهومين أساسين؛ أحدهما ذلك الذي يفيد الافتقار إلى حق المواطنة. وهذه دلالة حقوقية تحاول بها الجماعة أن تمنع انحشار الغير الغريب في شؤونها الداخلية. وهذا في اعتقادها تعريف سطحي للغريب، لأنه هو تلك القوة الخفية التي تسكننا جميعا والتي تعبر عن التناقضات والاختلافات الداخلية التي غالبا ما يتم السكوت عنها، لأن هذا الغريب " يجعل ال"نحن" إشكاليا وربما مستحيلا " إن الغريب إذن يوجد فينا " إن الغريب يسكننا على نحو غريب, فالغرابة لا توجد فقط على مستوى العلاقة مع الغير البعيد المخالف لنا عرقيا و ثقافيا و دينيا...بل هناك غربة تعيش فينا, إنها غربة داخلية جوا نية تتمثل في بنيتنا النفسية اللاشعورية, وما يوجد من اختلافات و تناقضات داخلية و تمزقات في الذات الفردية والجماعية...
يرى فرويد أن العلاقة بين ألانا و الغير هي علاقة صراع دائم ، فكل خبرات الحياة والتاريخ تبيِّن أن الإنسان أناني عدواني بطبع ، فالعدوان حَكَم حياة الإنسان كجماعة في العصور البدائية حين لم يكد يكون للملْكية الخاصة وجود، والعدوان يحكم حياته كفرد وهو لا يزال في المهد وحتى قبل أن يكون مفهوم الملكية بمعناها الشرجي قد تكوَّن لديه، وحينما طَلَب أينشـتاين من فرويد خطاباً يدعـو فيه إلى السـلام رد الأخير عليه قائلاً إن الحـرب أمـر طبيـعي تماماً، إذ أنها ترتكز على أساس بيولوجي مكين « فثمة غريزة للكراهية والتدمير تلتقي في منتصف الطريق مع تجار الحرب »
خلاصة المحور
لا يمكن إلا أن نعدم كل موقف يسير نحو بناء عالم إنساني قائم على الصداقة و المحبة و الاحترام المتبادل ،و يبقى هذا مطمح تنشده الضمائر الحية ،لكن لا ينبغي غض الطرف عن الواقع السياسي و الدولي سواء في الماضي أو حاليا حيث شهد و يشهد صراعات و حروب قائمة على نبذ و محاولة تركيع الغير بدعوى كثيرة .
و يبقى الأمل أن تنتصر إرادة الخير و الحب و التسامح على إرادة الكراهية و العنصرية و الحقد .


